- فآية السّيف هي قوله تبارك وتعالى:{قاَتِلُوا الّذينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِاليَوْمِ الآخِرِ} [التّوبة من الآية: 29]، أو قوله تبارك وتعالى:}وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتنَةٌ{.
- وقد ادّعى فريق من العلماء أنّ هذه الآية نسخت آيات العفوِ والصّفح، حتّى قالوا: إنّ آية السّيف نسخت أكثرَ من مائتي آية !
والصّحيح أنّ آيات العفو والصّفح محكمة، يُعمل بها في حال، وآية السّيف يُعمل بها في حال آخر، ومن شروط القول بالنّسخ التّعارض في جميع الأحوال.
وهاك شيئاً من أقوال المحقّقين:
قال الجصّاص رحمه الله في " أحكام القرآن " بعد ذكر نسخِ الموادعة مع الكفّار في وقت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
" إلاّ أنّه إن احتيج إلى ذلك في وقت - لعجز المسلمين عن مقاومتهم، أو خوف منهم على أنفسهم أو ذراريهم - جاز لهم مهادنة العدوّ ومصالحته من غير جزية يؤدُّونها إليهم؛ لأنّ حظر المعاهدة والصّلح كان بسبب قوّتهم على العدوّ واستعلائهم عليهم،وقد كانت الهدنة جائزة مباحة في أوّل الإسلام، وإنّما حُظِرت لحدوث هذا السبب، فمتى زال السبب وعادت الحال الّتي كان المسلمون عليها من خوفهم من العدوّ على أنفسهم، عاد الحكم الذي كان من جواز الهدنة ".
وقال الزمخشريّ رحمه الله في "الكشّاف" (2/166) بعد حكاية قول من قال بنسخ آية:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهاَ}:
" والصّحيح أنّ الأمر موقوف على ما يرى فيه الإمام صلاح الإسلام وأهله من حرب وسلم، وليس بحتم أن يقاتلوا أبدا، أو يجابوا إلى الهدنة أبدا ".
وقال ابن كثير رحمه الله عن الآية نفسها (3/341):
" وقال ابن عبّاس رضي الله عنهما، ومجاهد، وزيد بن أسلم، وعطاء الخراساني، وعكرمة، والحسن، وقتادة: إنّ هذه الآية منسوخة بآية السّيف في براءة:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِاليَوْمِ الآخِرِ}.
قال: وفيه نظر؛ لأنّ آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكَنَ ذَلِكَ، فَأَماَّ إن كان العدوّ كثيفاَ فإنّه يجوز مهادنتهم، كما دلّت عليه الآية الكريمة، وكما فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الحديبية، فلا منافاة، ولا نسخ، ولا تخصيص "اهـ.
ومثله قال الإمام الطّبري رحمه الله في " تفسيره " (10/34).
وقال مكّي بن أبي طالب رحمه الله في "الإيضاح" (ص 259):" فالآيتان محكمتان في معنيين مختلفين، لا ينسخ أحدهما الآخر ".
وانظر لإثبات المرحليّة في الدّعوة "الصّارم المسلول" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ص 121)، و" زاد المعاد " لابن القيّم رحمه الله، و" تفسير المنار " (5/325)، و" البرهان في علوم القرآن " للزّركشي رحمه الله، وغيرهم.
- أمّا هل نسخت آية السّيف قوله تعالى:{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ؟ فهو كلام غير صحيح؛ لأنّ الآية نزلت في أهل الكتاب: يُعرَض عليهم الإسلام أو الجزية، ولا يُجبَرون على الإسلام.
ويدلّ على ذلك ما رواه أبو داود عنْ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قالَ:
" كَانَتْ المَرْأَةُ تَكُونُ مِقْلَاتًا، فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا: إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ ! فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ، كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا: لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ عزّ وجلّ:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الْغَيِّ}".
قال أبو داود رحمه الله:" المِقْلَاتُ: الّتي لا يعيشُ لها ولد ".
والله أعلم.